من الظواهر التي تفشت في الجميع وخصوصاً مجتمعنا العربي، وتم إلقاء الضوء عليها فقط في خلال الفترة الأخيرة ظاهرة التنمر التي انتشرت على نطاق واسع خاصة في المدارس، نتناول في هذا المقال ظاهرة التنمر وأبعادها وأسبابها والحلول التي يمكن القيام بها للقضاء على هذه الظاهرة.
ظاهرة التنمر المدرسي.. نافذة صغيرة على المجتمع:
إن ظاهرة التنمر شكل من أشكال العنف في المجتمع، ويعرف على أنه الأفعال السلبية المتعمدة من فئة تجاه فئة أخرى، أو بالأحرى ظهور بعض أشكال العنف مثل التكشير بالوجه أو الاحتكاك الجسدي مثل الركل والضرب أو السباب والإغاظة وغيرها.
بل إن هناك تداخل كبير بين العنصرية ضد فئات معينة بسبب العرق واللون والدين، لذلك لا غرو إذا قلنا أن العنصرية هي أحد أسباب التنمر في المجتمع.
ولأن المجتمع المدرسي هو أحد المجتمعات الصغيرة التي تشكل حجر أساس للمجتمع الكبير فإنها بلا شك تنعكس علي الجسد الاجتماعي ككل، وتتجلى ظاهرة التنمر بشكل كبير سواء كان تنمراً مباشراً مثل الضرب والشتم والتهديد أو كان تنمراً غير مباشر كالعزل الاجتماعي للتلميذ الضعيف من جانب التلاميذ الأقوى، أو الاستهزاء بالشكل أو اللون أو طريقة الأكل أو نوع الملابس وغيرها.
ولذلك فإن ظاهرة التنمر المدرسي لها العديد من الأسباب التي لا تنفصل عن ظاهرة العنف ضد فئات بعينها في المجتمع، ونتناول في النقطة التالية أبعاد هذه الظاهرة.
أبعاد ظاهرة التنمر المدرسي .. مَن الضحية؟
إن أبعاد ظاهرة التنمر المدرسي عميقة ومتعددة الجوانب، لكن الجانب المهم فيها هو الضحية في هذه الظاهرة، فهل هو التلميذ المتعرض للتنمر أم ان المتنمرين أنفسهم هم الضحية لهذه الظاهرة برمتها؟
إن ظاهرة التنمر كما تعرضنا في النقطة السابقة إنما هي جزءً من ظاهرة العنف والعنصرية في العديد من المجتمعات حول العالم، وتحدثنا أيضاً عن ان هذه الظاهرة انعكاس لما يحدث في المجتمع، لكن ما دخل الأطفال ليكونوا جزءً من هذه الظاهرة – وأقصد بها ظاهرة العنف – وهل الأسرة لها دخل بهذه الظاهرة في المقام الأول؟
والمتنمرين ما هم إلا ضحايا للتنشئة والتربية غير السوية وغير الصحيحة من الأسرة في المقام الأول، ولا شك أن نتائج التربية تظهر جلية في عنف الأطفال تجاه الآخرين، وهو أصل وجذور ظاهرة التنمر المدرسي، لذلك فإن ضحايا التنمر هم المتنمرين في المقام الأول الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي والتربية الصحيحة وتعديل السلوك في المراحل العمرية المختلفة.
أسباب التنمر المدرسي و حلول للقضاء على هذه الظاهرة
إن الأسباب تتنوع بين الأسباب الاجتماعية والإعلامية والأسرية وغيرها إلا أننا سوف نتناول بعض الأسباب المباشرة التي تعد مرتبطة بظاهرة التمر المدرسي:
- أسباب اجتماعية: يحدد الأب الروحي للأبحاث التي تناولت ظاهرة التنمر المدرسي النرويجي دان ألويس، الأسباب الاجتماعية في عدة نقاط إلا ان أبرزها ان المتنمرين ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة، كما ان تلك الظاهرة ترتبط بشكل كبير بالحالات الاقتصادية في المجتمعات التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، لكن هذه ليست قاعدة، وذلك بسبب انتشار التنمر في العديد من الدول الغربية والتي يرتفع فيها دخل الفرد.
- أسباب أسرية: تعتبر هي من الأسباب المباشرة، فإن الحضارة الحديثة جعلت دور الأسرة مادياً بشكل كبير، إن الأب والأم يعملون من أجل تربية أولادهم وتغطية المصاريف الضرورية مثال المسكن ومصاريف المدارس والملابس وغيرها، ودون النظر إلى الجوانب الروحية والمادية وبناء القيم الفردية التي تحمي الأفراد من الأمراض الاجتماعية واسعة الانتشار والتي من بينها التنمر.
- أسباب تتعلق بالإعلام: إن الإعلام لديه مسؤولية كبيرة وذلك من خلال الأفلام والمسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل في مكافحة هذه الظاهرة، وللأسف الشديد فهناك من المواد الإعلامية تشجع الأطفال على العنصرية والاستهزاء بالفئات الأخرى، وهذا يرسخ الوجدان العقلي والنفسي لدى التلاميذ ان ظاهرة التنمر عادية وضرورية يقوم بها الاقوى ضد الأضعف.
أما من حيث الحلول فهي تنحصر في:
- تربية الأسرة للأطفال تربية صحية سوية بعيدة عن القيم السلبية، وتنمية الجانب الروحي والقيمي منذ الصغر.
- الإعلام لديه مسؤولية كبيرة في تغيير مفردات الخطاب الإعلامي تجاه الجمهور بحيث يكون منصباً على محاربة كل المظاهر السلبية والعنيفة في المجتمع.
- للمدارس والمؤسسات التعليمية مسؤولية كبيرة في طرق العقاب ضد المتنمرين وتفعيل أدوار الإخصائي النفسي في حل مشكلات التلاميذ وكذلك تنمية الجانب التوعوي للتلاميذ ضد هذه الظاهرة.
كيف أعرف أن طفلي تعرض إلى التنمر؟
هناك بعض العلامات التي تكشف عن مدى تعرض الطفل إلى التنمر فى المدرسة، ومن الضروري أن نتعرف عليها لكي نبدأ فى الحل الفوري وعدم تفاقم الأمر وهذه العلامات هي:
- إذا كان صامتاً طوال الوقت
- إذا كان منعزلاً لا يريد الجلوس مع الأسرة سواء على مائدة الطعام أو غيره.
- إذا بدأ الطفل في عدم الثقة بنفسه
- التلعثم فى الكلام.
- البكاء باستمرار.
- تراوده الكوابيس بالليل على الدوام.
- إذا تعرض للضرب في المدرسة ستظهر بعض الجروح والكدمات في أنحاء عديدة من الجسد.
وفى تلك الحالة فإن الطفل تعرض للتنمر المدرسي، ولابد من الحل الفوري بضرورة الاحتواء والحديث معه ومحاولة تجديد الثقة بينها وبين نفسه، وعرضه على طبيب نفسي و الذهاب إلى المدرسة لمحاولة القضاء على تلك الظاهرة من جذورها.
إن ظاهرة التنمر المدرسي عميقة وتحتاج إلى حلول جذرية لا يمكن تدارك جزءً منها دون التطرق للجزء الآخر، إنها احد أهم الظواهر التي تنتشر في مدارس كثيرة حول العالم، وقد تتطور في المستقبل غلى نتائج وخيمة قد تهدد أمن المجتمعات ما لم نتخذ إجراءات من شأنها تحد من هذه الظاهرة.